• اليوم .. القوة الألمانية تقسّم أوروبا إلى 3 أجزاء

    08/12/2011

    على طاولة الحلول المرة في القارة العجوزاليوم .. القوة الألمانية تقسّم أوروبا إلى 3 أجزاء


     

    عاملات يرتبن جوارب في مصنع للملابس الجاهزة في مدينة بريشيا الإيطالية، وكشفت البلاد خطة للتقشف لخفض ارتفاع المعاشات التقاعدية وضريبة الإنفاق لدعم المالية العامة والمساعدة على النمو الاقتصادي. رويترز
    حسن الحسيني من باريس
     
     
    يناقش الأوروبيون، اليوم، في قمتهم التي ستعقد في بروكسل رؤية المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي تقضي بتقسيم أوروبا إلى ثلاثة أجزاء، وهي: الدول الأوروبية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ولا تشارك في اليورو، والدول الأوروبية المشاركة في اليورو، وتشكل النواة الرئيسة لمنطقة العملة الأوروبية الواحدة، والجزء الثالث يضم الدول الأوروبية ذات الأوضاع الهشة التي تلحق باليورو بعد أن تكون قد ضبطت حساباتها وميزانياتها. وكان ساركوزي الرئيس الفرنسي قد وافق على كل شروط المستشارة الألمانية والتي يأتي أبرزها فرض العقوبات الآلية على الدول التي لا تحترم عدم تخطي العجز في الميزانية العامة نسبة الـ 3 في المائة، التخلي عن إصدار سندات خزانة أوروبية، وعدم إدخال التعديلات على عمل المصرف المركزي الأوروبي. وقد ألحق ساركوزي موقف بلاده بالموقف الألماني نتيجة ضعف فرنسا ونتيجة قناعته أن ذلك سيمكنه من إنجاح الانتقال بفرنسا في نموذج النمو الاقتصادي المستند إلى زيادة الدَّين العام إلى النموذج المرتكز على العرض والإنتاجية.
    وفي مايلي مزيدا من التفاصيل:
    تتوجه الأنظار إلى بروكسل، حيث تعقد القمة الأوروبية اليوم، وسيدرس القادة الأوروبيون الاقتراح الفرنسي - الألماني المتعلق بإدخال التعديلات على المعاهدة الأوروبية للتصدي لأزمة اليورو ومعها أزمة الديون السياسية.
    ويجمع المراقبون على القول: "إن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تمكنت في فرض رؤيتها محل الأزمة على الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي". وهذا الحل بإطاره العام يهدف إلى تقسيم أوروبا إلى ثلاثة أجزاء: الدول الأوروبية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ولا تشارك في اليورو، والدول الأوروبية المشاركة في اليورو وتشكل النواة الرئيسة لمنطقة العملة الأوروبية الواحدة، والجزء الثالث يضم الدول الأوروبية ذات الأوضاع الهشة التي تلحق باليورو بعد أن تكون قد ضبطت حساباتها وميزانياتها. الرئيس الفرنسي وافق على كل شروط المستشارة الألمانية: العقوبات الآلية على الدول التي لا تحترم عدم تخطي العجز في الميزانية العامة لنسبة الـ3 في المائة التخلي عن إصدار سندات خزانة أوروبية، وعدم إدخال التعديلات على عمل المصرف المركزي الأوروبي.
    وقد ألحق ساركوزي موقف بلاده بالموقف الألماني نتيجة ضعف فرنسا ونتيجة لقناعته أن ذلك سيمكنه من إنجاح الانتقال بفرنسا في نموذج النمو الاقتصادي المستند إلى زيادة الدين العام إلى النموذج المرتكز على العرض والإنتاجية. وينتظر المراقبون ما ستخرج به قمة اليوم، وما إذا كانت دول الاتحاد الأوروبي الـ27 ستسمح للدول الأوروبية في منطقة اليورو بالسيطرة على قرارها وتحظى بالتالي الحصول على موافقة الدول العشر. ولكي لا يقع ساركوزي وميركل في فتح انتظار الضوء الأخضر من هذه الدول، وفي مقدمتها بريطانيا، التي أعلن رئيس وزرائها ديفيد كاميرون بعد لقائه مع الرئيس الفرنسي أخيرا رفضه لتعديل اتفاقية أمستردام، قرار الالتزام الصارم بقواعد اتفاقية مايستريخت التي تنص على ألا يتخطى الدين العام نسبة الـ60 في المائة من الناتج الداخلي الخام وألا يتخطى العجز في الموازنة العامة وإدخال هذه القاعدة بدساتير منطقة اليورو. بعد أن ضربت دول العملة الأوروبية الواحدة بها عرض الحائط.
    دخل العالم في مرحلة جديدة في الأزمة المالية، التي انفجرت في الولايات المتحدة بسبب أزمة الرهون العقارية، ومركزها منطقة اليورو وهي هذه المرة أخطر بكثير. وإذا كانت أزمة الديون العقارية الأمريكية كانت تهدد بإفلاس المصارف فإن أزمة سندات الخزانة في منطقة اليورو تهدد بإفلاس الدول، علما بأن الأولى ضخمت كثيرا في حجم الثانية؛ فالدول الأوروبية ضخمت 190 مليار يورو في رساميل المصارف الأوروبية؛ مما زاد من ديون هذه الدول.
    والمفارقة أن المصارف، وبعد تجربتها المرة والقاسية مع سندات الدين العقاري الأمريكي قررت تجنب الاستثمارات الخطيرة اشترت بشكل أساسي ديون الحكومات الأوروبية؛ فالدول الأوروبية تاريخيا هي مستدين في الدرجة الأولى. وتوافق ذلك مع تصاعد أو زيادة سندات الخزانة الأوروبية للتعويض عن الخسائر المصرفية ولعدم السماح بانحسار اقتصادي كبير والأزمة تتلخص كالتالي: أزمة قروض عقارية أدت إلى أزمة مصارف أدت على تدخل الحكومات والمصارف اشترت سندات الخزانة.
    والحلقة الأضعف طبعا كانت في الدول التي إما عانت أزمة اقتصادية أكبر من غيرها (إسبانيا) أو أزمة ديون دولة تفوقت باقي الدول (اليونان) أو أزمة مالية ومصرفية (إيرلندا). ومنذ خريف العام الماضي عرف القادة الأوروبيون خطورة الأزمة، وأن اليونان غير قادرة على تسديد ديونها ولكنهم أخطأوا في التعامل معها. فقد اكتفوا في البداية بالتعاطي مع الأزمة اليونانية بالمسكنات ورفضوا اللجوء إلى العملية الجراحية لاستئصال الورم الخبيث.
    المستشارة الألمانية التي فهمت منذ البداية أي منذ العام 2010 أن اليونان غير قادرة على تسديد ديونها أصرت على تضمين خطة الإنقاذ الأولى لليونان، والتي منحت لبلاد الإغريق 110 مليارات دولار، فقرة تحت اسم بنود التحرك الجماعي وتنص على أنه "يحق للأغلبية في حاملي سندات الخزانة اليونانية إعادة جدولة هذه الديون"، وهذه الفقرة تجبر كل الدائنين على القبول بذلك.
    وفهمت الأسواق أن اليونان غير قادرة على تسديد ديونها، وخلال هذا العام وقبل أسابيع قليلة أجبرت المصارف وحاملو سندات الخزانة اليونانية على التخلي عن 50 في المائة من ديونهم.
    وهكذا، فإن الأسواق فهمت أن اليونان غير قادرة على الوضع وبدأت تشكك بأن دولا أخرى في منطقة اليورو قد تكون غير قادرة على تسديد ديونها فارتفعت الفوائد على سندات الخزانة الإسبانية والإيطالية والبرتغالية والإيرلندية، وبدأ الخوف في انتقال العدوى إلى إيطاليا وإسبانيا وبلجيكا في ظل تزايد القلق من ضمان تمويل الديون السيادية والعجز في الميزانيات العامة للعامين المقبلين في هذه الدول. الأمر الذي تطلب أن يقرر القادة الأوروبيون زيادة رأسمال صندوق الاستقرار الأوروبي الذي أنشئ لدعم اليونان وإيرلندا والبرتغال إلى ألف مليار يورو؛ على أن يلعب الصندوق دور الضامن لمخاطر الخسائر ويضخ المصرف المركزي الأوروبي الأموال باليورو لشراء سندات الخزانة؛ لأن هذا المبلغ قد لا يكون كافيا.
    وضخ الأموال لن يكون كافيا؛ فعلى الحكومات الهشة أن تتخذ الإجراءات التقشفية وعصر النفقات وزيادة البطالة لتخفيض العجز في الميزانية العامة. وسط هذه الأجواء جاءت توقعات منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية حول النمو الاقتصادي في العالم وفي منطقة اليورو مقلقة للغاية. وعبرت المنظمة عن قلقها في أن يسبب الركود في منطقة اليورو على الولايات المتحدة واليابان انكماشا اقتصاديا.. ومصدر القلق الأكبر هو أن يتم الإعلان عن إفلاس إحدى دول اليورو بشكل مفاجئ وفوضوي.
    وتداخل الأزمات المالية المصرفية مع الديون السيادية مع تراجع النمو الاقتصادي ارتأت الحكومات، خاصة الألمانية والفرنسية منها، أن حل أزمة المصارف لا يتم هذه المرة من خلال ضخ الرساميل فيها فقط؛ لأن المشكلة باتت تكمن في أزمة الديون السيادية ومخاطر إفلاس اليونان أو أي بلد آخر أوروبي، ولعل هذا ما دفع بالمستشارة الألمانية إلى القول، قبل عدة أشهر إنه إذا كان لا بد من إفلاس اليونان وخروجها من منطقة اليورو فيتعين أن تتم هذه العملية بشكل منظم.
    ويضاف إلى ذلك الأزمة المالية الكبيرة التي أدت إلى شح الدولارات في الأسواق الأوروبية فجأة ونتيجة سحب الشركات المتعددة الجنسيات الأمريكية خاصة، والأوروبية بعض الشيء، لودائعها بالدولار في المصارف الأوروبية إلى درجة أنها لم تعد قادرة على التدين بالدولار حتى للعمليات السابقة الموجودة على ميزانياتها. واضطر المصرف المركزي الأوروبية إلى استهلاك الكميات المطلوبة من الدولار، كما أنه لجأ إلى استعمال عمليات تبادل العملات مع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ليحصل على الدولارات، وهذا ما فسر ارتفاع مؤشرات الأسهم الجمعة الماضي في البورصات الأوروبية.
    وعلى مدار الأشهر الماضية، ومنذ انفجار أزمة الديون اليونانية العام الماضي، حاولت الدول الأوروبية كسب الوقت لتمكين المصارف من إلغاء قسم في الديون اليونانية ويجري الآن الحديث عن ثلثي هذه الديون بعد أن كانت القمة الأوروبية الأخيرة قد أقرت إلغاء 50 في المائة من هذه الديون، وعندما تصبح المصارف على استعداد لمواجهة ذلك لا يشكل إفلاس اليونان وخروجها من منطقة اليورو خطرا على المصارف؛ لأن تفعيل صندوق الاستقرار الأوروبي يمكن المصارف من تأجيل الانفجار لمدة سنتين على الأقل.
    والهيئة العليا للمصارف الأوروبية منحت فرصة حتى منتصف العام المقبل المصارف لكي تزيد رأسمالها لتجنب تعرضها لهزة كبيرة؛ فالمصارف الأوروبية لا تزال عرضة للخطر كالحكومات تماما؛ لأن أي انفلات في الأسواق (ارتفاع الفوائد بشكل دراماتيكي) في إحدى الدول الأوروبية الكبرى، على غرار اليونان أو البرتغال سيؤدي حتما إلى إفلاس أحد المصارف وإلى تدخل الدولة إذا استطاعت هذه المرة، وهذا يعيد الدول الأوروبية إلى الحلقة المفرغة. ولعل هذا ما دفع بوكالة التصنيف الائتماني ستانارد آندبورز على التهديد بتخفيض تصنيف الدول الأوروبية الـ15، وبينها الدول الست التي تحظى بملاءة ائتمان عالية AAA. فالوكالة تبدي تخوفا بالنسبة لقدرة المصارف على الاستدانة من الخارج؛ مما يعزز احتمالات ضخ الدولة لرساميل فيها. ورأت الوكالة أن استمرار الخلافات بين القادة الأوروبيين حول الحلول الواجب تبنيها يسهم في تراجع تصنيفها. وهي بذلك تحث القادة الأوروبيين على وضع خطة ذات مصداقية بنظر العالم بأسره لإنقاذ منطقة اليورو.
    وينتظر المراقبون ما إذا كانت منطقة اليورو، بعد القمة الأوروبية ستبدأ بتلمس المخرج من أزمتها وأيضا ستتمكن من كسر الدائرة المفرغة التي تدور فيها. كما أنهم ينتظرون أيضا لمعرفة ما إذا كانت القمة ستتوصل إلى آليات تسمح بخروج دول من منطقة اليورو. والمراقبون مثل الأسواق سينتظرون ما سينتج عن القمة وما إذا كان المصرف المركزي الأوروبي سيتدخل بشكل كثيف بعد الاتفاقات الأوروبية الجديدة، وأيضا سيراقبون عن كسب خلال الأسابيع القليلة المقبلة الفوائد على سندات فرنسا وألمانيا؛ للتأكد من أن خطة ميركل ساركوزي ستسحب الألغام في طريق المصارف؟
    والنتيجة أنه ليس هناك حل سحري إنما أطراف حلول طويلة المدى وتفعيلها مليء بالمخاطر والسياسة والمشكلة لن تكون فقط مالية اقتصادية، بل سيادية واجتماعية.


حقوق التأليف والنشر © غرفة الشرقية